الكسل- بين طقوس الشعوب و شخصيات الأدب و لذة الاسترخاء

المؤلف: أحلام محمد علاقي08.11.2025
الكسل- بين طقوس الشعوب و شخصيات الأدب و لذة الاسترخاء

تتردد مقولة شائعة بأن المناخ يترك بصماته الفريدة على سلوك الأفراد، فيؤثر فيهم بالنشاط والحيوية أو الخمول والكسل. وغالباً ما نجد صورة نمطية رائجة تربط بين سكان المناطق الحارة والراحة والاسترخاء المفرط. ففي حكايات الأطفال ورسوم الكارتون، غالباً ما يظهر الرجل المكسيكي وهو يستسلم لقيلولة طويلة تحت ظل قبعته المكسيكية الواسعة.

كثيراً ما يسخر الأوروبيون من سكان منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، الذين يعتبرون القيلولة جزءاً لا يتجزأ من روتينهم اليومي، ويتهمونهم بالتقاعس وقلة الإنتاجية. إلا أن الدراسات العلمية الحديثة كشفت عن الفوائد الجمة التي تعود بها القيلولة على صحة الجسد والعقل والحالة النفسية. وأكدت أن المجتمعات التي تحرص على هذه الغفوة الظهيرة تنعم بصحة أفضل ومزاج أكثر إشراقاً، فالنوم هو أحد أهم أسباب السعادة والبهجة. وقد أخبرتني صديقتي اليونانية المرحة والمتفائلة أنستاسيا، أن دعوة الضيف لتناول وجبة الغداء في اليونان غالباً ما تصحبها دعوة ضمنية للاسترخاء والنوم بعد الوجبة، فهذا الطقس يحظى بتقدير كبير ويعتبر جزءاً أساسياً من وجبة الغداء!<--mobileAd-->

من خلال تجربتي في العيش في بلدان ذات مناخ بارد وأخرى حارة، أستطيع أن أؤكد أن الطقس الحار يستنزف طاقة الجسم ويُضعِفه، بينما يشجع الطقس البارد على النشاط والاندفاع ومواصلة ممارسة الأنشطة المتنوعة وقضاء الوقت خارج المنزل. ففي المناطق الحارة، يفضل الناس الاحتماء من الحرارة اللافحة في منازلهم، حيث يتنفسون هواءً اصطناعياً مبرداً قد يسبب لهم الأمراض.

في الأدب، توجد شخصيات أدبية خالدة اشتهرت بالكسل والتراخي. على سبيل المثال، يتبادر إلى ذهني الآن شخصية السير جون فولستاف، التي ظهرت في ثلاث من مسرحيات شكسبير، بما في ذلك مسرحية هنري الرابع. فولستاف هو شخصية هامشية تعيش في قاع المجتمع، يقضي وقته مسترخياً أو جالساً مع المجرمين والمنحرفين في حانة، عالة على الآخرين ويعيش على الديون أو الاحتيال والسرقة، ويحاول التودد إلى النساء بصفته فارساً، وكل ذلك في سياق كوميدي ولكنه يحمل دلالات رمزية عميقة.

إضافة إلى ذلك، هناك شخصية كارتونية محبوبة هي جارفيلد، القط الكسول الذي يقدس مبدأ الاسترخاء وعدم فعل أي شيء. جارفيلد هو قط سمين ذو لون برتقالي ووجه جذاب، لا يتوقف عن التهام اللازانيا اللذيذة، والتي لا يخفى على أحد مدى خطورتها من الناحية الصحية، فهي مليئة بالبشاميل والزبدة والجبن والباستا واللحم المفروم الغني بالدهون والكريمة المشبعة بالسعرات الحرارية العالية. ويذكر المؤرخون أن الملك البريطاني ريتشارد الثاني، الذي عاش في القرن الرابع عشر، كان من كبار محبي اللازانيا، وكان طهاة القصر يعدونها له مع تعديلها لتناسب الذوق البريطاني. ومن المثير للاهتمام أن هذه الوصفة كانت خالية تماماً من الطماطم، وذلك لأن الطماطم لم تكن قد وصلت إلى أوروبا بعد، حيث لم تدخل إلا مع كولومبوس في أواخر القرن الخامس عشر.

بالعودة إلى موضوع الكسل، الآن وبعد أن انتهيت من كتابة هذا المقال، شعرت فجأة بهجمة شرسة من فيروس الكسل. على الرغم من أن الوقت ليلاً وأشعر بالجوع الشديد لأنني لم أتناول أي وجبة دسمة طوال اليوم بسبب انشغالي، إلا أنني لا أملك الطاقة أو الدافع الذي يدفعني للنهوض وتناول الطعام. لقد تغلب التعب على الجوع، ويا له من شعور رائع لو كنت مستلقياً على أريكة فاخرة مثل إمبراطور روماني، ويأتي شخص ليضع في فمي عنقود العنب الشهير الذي نراه في الأفلام الكارتونية، لن أمانع في ذلك إطلاقاً. لقد اشتقت إلى طعم ورائحة الكسل الذي هو أحلى من العسل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة